المتسولون بشوارع الخرطوم.. قصص غرائبية! - ALMURASEL

عاجل

السبت، 24 أبريل 2021

المتسولون بشوارع الخرطوم.. قصص غرائبية!

 


الخرطوم: أم النصر محمد
عند الإشارة الحمراء ترفع بصرك لترى وجهاً تغطيه ابتسامة تشوبها ملامح العوز والحاجة وعينين يملأهما الأمل والرجاء وشفتين تتحركان بالله يعدل طريقك الله يسهل ليك، وهناك من يترنم بمديح المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالهدف واحد وإن تعددت أساليبه ولكن هناك من جعلوا هذه الظاهرة عملاً لكسب المال دون عناء، ومن وفروا منها مبالغ طائلة تفوق تصورك فأصبحت هذه الظاهرة مهنة يحترفها الكثيرون ممن يشعر المرء بالتعاطف معهم متخطية العوز والحاجة. فظاهرة التسول التي أصبحت منتشرة بصورة تدعو للقلق والعمل لمحاربتها والحد من انتشارها، عبر تكاتف الجهود المشتركة بين الجهات الرسمية والمجتمعية تلك الظاهرة التي كان أحد أهم أسبابها تدهور الوضع الاقتصادي المريع في البلد وتفشي البطالة بصورة كبيرة وعوز بعض الأسر التي لا تجد من يعولها. ولقد أصبحت هذه الظاهرة منتشرة بصورة غير مسبوقة الشيء الذي عكس انطباعاً غير جميل للوجه الخارجي عنا، ولأهمية هذه الظاهرة وقفت (الانتباهة) عندها لتستنطق مرتاديها وبعض شرائح المجتمع.
«بتي بتي»
في المنطقة بين شارعي البلدية والمك نمر وحتى مستشفى الشعب كان ذاك الشاب الوجيه المهندم يمارس مهمة التسول منذ سنوات عدة وقد أوقفني عدة مرات خلال هذه السنوات وهو يحمل في يده ورقة مطوية لم يحدث أن فتحها وفي كل مرة لديه سبب وجيه التسول حسب اعتقاده مرةً ابنته لديها مشاكل في الكلى وهي طريحة الفراش بالمستشفى ومرةً لديه سبب آخر وقد حفظت وجه هذا الشاب بسبب كثرة تردده وفي المرة الأخيرة عندما وقف أمامي ولوح بالورقة وقال لي (بتي..) وقبل أن يكمل قاطعته (يعني بتك دي خلال السنوات دي كلها راقدة في المستشفى؟ أنت من كم سنة بتكرر في الكلام ده) فنظر إلى شذراً ثم قال (تحلفي بي الله) ثم غادر بينما أقف أنا بـ(استوب) تقاطع المك نمر مع البلدية ويبدو أنه قد حفظ وجهي إذ اقترب مني بعد عدة أيام جوار مستشفى الأسنان ولكنه لم يكد يرى وجهي حتى انصرف عني إلى صيد آخر ذي قلب مرهف.
الظروف جبرتنا
أما ذلك الشاب الصغير فقد كان واضحاً معي ولم يشعر بالذنب لامتهانه التسول ولكنه لام الظروف التي جعلته يفعل ولم يعف الدولة من مسؤوليتها تجاهه وأقرانه فقال لي حين سألته (بتتسول ليه بدل ما تشتغل وإنت يادوب شاب صغير) فأجاب بقوله (أنا خريج جامعي لكن الظروف جبرتني أشحد وإذا استمر الوضع الاقتصادي هكذا كثير حيمتهنو التسول، الدولة ما شغالة بينا وكل أملنا في المواطنين الميسورين ).
وطالب الدولة أن تتخذ إجراءات للحد من انتشار هذه الظاهرة وتبني برامج داعمة لهم. هذا كان أحدهم ممن يطلق عليهم (أمل البلاد ومستقبلها) وفي الحقيقة هو لا يستطيع أن يعول نفسه ناهيك عن تحقيق طموحاتها.
تسول بدراسة جدوى
رجل كبير في السن ولكن يقوده شاب ثلاثيني معافى تماماً سألته إن كان يعمل فقال إنه طوال اليوم يقود أباه لكي يتسول وعن إجابته لماذا لا تعمل وأنت شاب و يرتاح أبوك في بيته قال إنه يدخل مصروفاً أكثر من عمله في السابق وإن والده في حاجة لمن يقوده لازدحام الشوارع خشية أن يحدث له حادث .
لليوم الأسود
وتقول أم الطيب أنا بتسول لي ثلاث سنوات فزوجي توفي وعندي تسعة أبناء وما عندنا عائل خاصة في الأيام الصعبة دي جزء من أولادي بطلع معاي الصباح ونرجع الساعة عشرة مساءً فأجمع ما تحصلنا عليه نطلع منه حق الأكل من (ملاح وعيش وغيرو ولو فضل بنخلي لليوم الأسود).
جلهم أجانب
اقتربت من امرأة متسولة فسلمت عليها وبدأت التحدث إليها ولكن دهشت عندما لم تستطع التحدث بصورة واضحة فقلت لها من أي دولة أنت ولكنها نظرت إلى فقط دون الإدلاء بإجابة. فاستيقنت أنها من إحدى دول الجوار الذين يمتهنون التسول في شوارع الخرطوم وهم في الغالب لا يتسولون لأنفسهم كأفراد ولكنهم أتوا عبر شبكات منظمة حسبما ذكرت وزيرة الرعاية الاجتماعية في عهد الإنقاذ مشاعر الدولب التي قالت في إحدى اللقاءات (أثناء زيارة لأحد وزراء تلك الدول اشتكينا من تسول رعاياها في الخرطوم فقال :(زول بقول كرامة لله عاوزين تمنعوه ).
(حا تدقا)
أمل الطفلة الصغيرة ذات العينين التي لا ترى إلا الألم والعيش في الشوارع اقتربت منها وكان بحوزتها الكثير من النقود وقلت لها: (ح تعملي بيهم شنو وكيف تنفقيهم)، صمتت برهة وقالت :(ما بشيل منهم حاجة أنا بشتغل كتير لأني لو ماجبت قروش كتيرة حايضربوني)، فقلت لها هم منو..؟ ولكنها أخذت تجري بسرعة وكانها أخطأت الحديث أو شعرت بالخوف عن الإدلاء بمعلومة .
نسوي شنو..؟
أما زكريا البالغ من العمر قرابة الثمانين عاماً فقال : (والله يا بتي الوضع بقى صعب والجنيات روحم ما شايلنها وأنا محمول تب والحمد لله نحن بنرجى شهر رمضان دا بفارق الصبر لأنو المحسنين فيهو كتير ومرات بجينا الخير في محلنا، الدنيا بقت كدا عاد نسو شنو صعبة علي مدت اليد لكن ما بقدر أخلى عقابي جيعان).
وتتابع حليمة في نفس المحطة عشان ضيق العيش نحن مرقنا الشارع والظروف بقت كعبة والحال ماشة لي أكعب ونحنا في رمضان ما عملت شي وراجلي مرق ساي ليهو تلاتة سنة وما عارفة ليهو وجهة وخلى لي خمسة أطفال وما عندي طريقة إلا أشحد عشان ياكلو وأصحاب المروة في الشارع دا كتيرين الربنا فاتحة عليهم.
اسم على غير مسمى
الشاب ميسر بدأ قوله بضحكة عالية ثم قال اسمي ميسر والحال ما ميسر أنا صحي شاب وما شاء الله علي ناقصني الشغل بس (هو الناس القرو جامعات شغالين خلي نحن الما قرينا نعمل شنو أحسن أمد يدي لأهل بلدي الراكبين الهمر والأمورم باسطة ومجيهين اللهم لا حسد ولا أموت بالجوع ما في شغل كدا مكفي لكن أنا في الشارع مرات بطلع 5000 لما الأمور تكون سالكة مع الكريمين ومرات بسمعونا فارغ كتير بس ما شغال بيهم المهم الناس الكويسين كتار. أما محسن فهو خريج جامعي يقول الوضع الاقتصادي هو الذي جعلنا نتسول ووجدت أن أفضل وسيلة لجمع المال ولو لقيت شغل مجزي ماعايز أشحد تاني.
أحسن من الشغل
جدو من ذوي الاحتياجات الخاصة وعندما سألته إن كانت إعاقته تمنعه عن العمل أجاب: (هو الواقفين على حيلم ما لاقين شغل جربت أشتغل مناديل لكن فشلت البيع كان ضعيف شديد وأنا شايف بعيني ناس معاي في (الاستوب) دا بشحدو أمورم ظابطة أكتر مني عشان كدا خليت بيع المناديل وبقيت أشحد ) ويضيف (يعني عاوزة تقنعيني الشغالين ديل قروشم بتكفيهم والله ما فضل ليهم إلا أشحدو زينا كدا لكن ما قادرين).
«قنعانين من خيرا»
أما جابر حسن وهو صاحب إعاقة فيقول ( أنا فتشت لعمل بس ما لقيت والآن لو لقيت شغل بشتغل ما تتخيلي مدت اليد دي صعبة كيف وبتشيل معاها كرامتنا والله لو لقيت شغل بطلع قروش كويسة بشتغل هو لو في زول لقى سترة بقول أبيت دا إلا ساطلا) بس لو الناس الميسورة دي وقفت معانا وشافت لينا شغل يكونوا ما قصروا أما الحكومة دي قنعانين من خير فيها.
بوليود في السودان
كان شارع القيادة ممتلئاً بالمتسولين الذين يزحفون نسبةً لإعاقتهم وأنا في طريقي إليهم إذ أتى رجل بدراجة نارية يحاول دهسهم ورغم صيحات كل المارة والراكبين العربات الخاصة والعامة إلا أنه لم يستمع لأي منهم وتأكدت إنه سوف يموتون جميعاً تحت إطارات دراجته النارية ولكن كانت هناك المفاجأة والفيلم البوليودي عندما رأوه لم يترددوا بل قاموا ووقفوا على أرجلهم المشلولة ولاذوا جميعاً بالفرار ثم رد على الناس (أنا عارفهم تماماً إنهم يكذبون ).
وين ناس القيادة؟
أحمد آدم ذو الخمسة عشر عاماً سألني مافي تاني ناس جايين يقعدوا في القيادة؟ والله الأمور كانت باسطة مع ناس الراستة والشفاتة كانوا بدونا قروش وبناكل مجاناً وحتى جاتني هدايا قميص وبنطلون وجلابيتين من إيمان وأنا من هنا بقول ليها أنتو وين ياخ ما لامي فيكم تذكروا كنت بولع النار للأكل معاكم وقلتي لي بعد تسقط بنشغلك وبخليك زول كويس و رجعت تاني الشارع وإن شاء الله نصبّها تاني في القيادة مع ناس يشغلوني وتبقى الأمور ظابطة وأخلي حاجات كتيرة.
مبسوط
بدأ بقوله ما تجيبي اسمي لأنو أهلي بشاكلوني ياخ البيت مشاكلو كتيرة وأنا كنت بطلع منو وبقعد في الشارع ولما بقيت أقعد بشوف أولاد في الشارع بشحدوا قمت صاحبتهم وبقيت بشتغل معاهم لكن في حتة بعيدة عن بيتنا وبكون معاهم مبسوط. مرات بديهم القروش الشلتها ومرات بشيل منها بسيط عشان أهلي ما يعرفوا ويقولوا لي جبت القروش دي من وين.
المعايش جبارة
مراقب وعن رأي المواطنين عن انتشار ظاهرة التسول يتحدث محمد بأن هذه الظاهرة أصبحت منظمة وتديرها شبكات يقومون بتوزيع المتسولين في المحلات والشوارع الحية في الخرطوم غالباً بعد صلاة الصبح وهناك من يعمل كمراقب لهم أثناء اليوم وإن المتسول لا يستطيع أن يأخذ جنيهاً واحداً من العملات التي يحصل عليها بل يدفع له راتب وإن عليه في المساء تسليم المبلغ كاملاً لجهة ما».
لا بد من حلول
وتقول تقوى يس موظفة إن الشوارع أصبحت مليئة بالمتسولين لدرجة تفوق التصور وأن هذا شيء غير طبيعي ومشكوك في أمره وأصبحت كل شوارع و(أستوبات) الخرطوم تعج بالمتسولين مما يشوه صورة البلد لأن هناك أجانب وجنسيات أخرى سيحملون هذا الجانب المزعج إلى بلدانهم وتناشد تقوى الجهات الخاصة لإيجاد حلول سريعة للحد من هذه الظاهرة وتضيف أن هناك شباباً أصبحوا يمتهنون التسول وأصبح كوظيفة أو مهنة وعليهم أن يستفيدوا من مرحلة الشباب ويكونوا أنفسهم وسبل الرزق كتيرة وعليهم أن يجتهدوا في إيجادها.
فقدان الأمان
تقول مريم حماد والله هذه مشكلة حقيقية وقد أصبحت أكبر من ظاهرة وتعتقد أن هذا الانتشار ليس عادياً وهو عمل منظم وبالإضافة للذين يتعاطون المخدرات والسلسيون والسكارى فالوضع أصبح شبه خارج السيطرة وافتقدنا الأمان في المحلات التجارية والشوارع وأصبحنا نتخيل بمجرد ما نطلع الشارع أن هناك شيئاً سيئاً سيصيبنا وحتى لما نطلع فقلوبنا على أولادنا لأن البيت يطل على الشارع الرئيس ونطلب من الجهات المختصة أن تشوف شغلا وتخلينا نشعر بالأمان.
ظاهرة مرضية
قالت دكتورة علم الاجتماع ندى محمد إن ظاهرة التسول أصبحت من الأمور المزعجة والمقلقة نسبة لكثرتها ووصفتها بأنها ظاهرة اجتماعية مرضية وهي أصبحت تنتشر في كل بلدان العالم ولكن تزداد يوماً بعد يوم في السودان وربما ساعدت الحالة الاقتصادية المتردية وزيادة عدد البطالة، الكثيرين لمزاولة التسول وقد يبدو صعباً عليهم من أول وهلة ولكن مع تكرارهم لهذه الظاهرة يصبح الأمر طبيعياً بالنسبة لهم وحمّلت ندى المتعاطفين معهم المسؤولية الكبرى خاصةً الذين يتسولون وهم في أوفر صحة وفي سن الشباب كما حمّلت الدولة أيضاً المسؤولية في عدم توفير مشاريع جادة تملّك لأصحابها الحقيقيين من الذين لا يجدون دخلاً ومن ليس لديهم من يعولهم والوقوف معهم حتى يتخطوا المراحل الصعبة وقالت إن هناك من ينظر للتسول بأنه أسهل وأقصر طريقة لجمع المال ودون عناء وتعب. وتضيف لا بد من وضع حلول جذرية للحد من هذه الظاهرة وقوانين تحد من انتشارها.
مشاكل أسرية
اختصاصي علم النفس الدكتور محمود سالم يرجع أسباب التسول لعوامل خاصة بالأسرة كالفقر والطلاق والمشاكل الأسرية التي يكون لديها أعمق الأثر في نفوس الأبناء ولم يستطيعوا تجاوزها فيدمن بعضهم المخدرات او السلسيون ويصبحون في الشوارع مع من يتسولون ثم يصبحون مثلهم. ويضيف، إن الوضع الاقتصادي أيضاً له دور كبير في انتشار هذه الظاهرة خاصة الذين لا يجدون عملاً أو ذوي الاحتياجات الخاصة. ويقول سالم إن هناك من ذوي الأمراض النفسية عندما يغيبون عن أسرهم تجدهم يتسولون لشعورهم بالارتياح مثلاً. وأضاف ضرورة تقوية الروابط الأسرية وإبعاد الأطفال والأبناء عن النقاشات الحادة التي تؤثر في نفسيتهم وبالتالي في مستقبلهم وضرورة عمل الدولة برامج توفر فرص عمل للشباب خاصة التي تتعلق بالانتاج والمشاريع لكي تعم الفائدة على الوطن.
من المحررة:
يجب أن تتخذ الجهات المختصة وسائل ناجعة لمعالجة هذه الظاهرة التي أصبح تنتشر بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة نتاج الحدود المفتوحة مع الجيران والإدمان والمشاكل الأسرية ولا سيما الوضع الاقتصادي المتردي الذي جعل البعض من الاسر العفيفة تمتهن التسول كل هذا رسم صورة قاتمة للوحة مقرن النيلين وعاصمة السودان وفي وجوه الذين ضاقت عليهم سبل العيش.
من المحررة
في شارع المك نمر يقف شاب يعاني من شلل اهتزازي واعاقة في يديه ومع ذلك يحمل كيساً به مناديل ورقية يبيعها فتتبعثر منه على الأرض. هذا الشاب يجبر اي شخص على احترامه والشراء منه لانه لم يتخذ من اعاقته سبباً التسول.
أما ذلك الطفل الصغير فقد عرض علينا مناديل في الاستوب فلم نشتر ولكن مددنا له ما استطعنا ولكنه رفض اخذ النقود وولي مبتعداً. وشتان مابين هذا الطفل وشباب الاستوبات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق