قبل خمس سنوات كان جبريل ابراهيم يكتب مقالاً يخبركم بأنها تجربة قابلة للتكرار، اليوم الرجل يملك قلماً رسمياً فهل يقود الشعب لتحقيق قيم العدل والمساواة ؟ في ذكرى الذراع الطويلة (بين عهدين) - ALMURASEL

عاجل

الثلاثاء، 11 مايو 2021

قبل خمس سنوات كان جبريل ابراهيم يكتب مقالاً يخبركم بأنها تجربة قابلة للتكرار، اليوم الرجل يملك قلماً رسمياً فهل يقود الشعب لتحقيق قيم العدل والمساواة ؟ في ذكرى الذراع الطويلة (بين عهدين)

 


الخرطوم ( الزين عثمان )

في مثل هذا اليوم وقبل خمس سنوات يخبركم جبريل إبراهيم عبر مقال منشور  أن ملحمة الذراع الطويلة، تجربة قابلة للتكرار قبل المقال بثماني سنوات  كان عساكر حركة العدل والمساواة بقيادة الراحل خليل إبراهيم يصلون إلى امدرمان من أجل إسقاط نظام الإنقاذ من على سدة السلطة في البلاد، العملية التي كشفت لأهل السودان و للمحيط الإقليمي و الدولي أن النظام كان مجرد نمر من ورق. و أنه عاجز حتى عن حماية نفسه و مقر حكمه. و أنه جاهز فقط للفرار إذا حمي الوطيس. وإن انتهت إلى عدم تنفيذ الغاية منها، واضطرت حركة العدل والمساواة لدفع فاتورة خطوتها تلك من خلال أسر عدد من قياداتها لم يغادروا السجون إلا بعد انتصار  ثورة شباب ديسمبر ابريل السلمية، حيث أسقطت النظام، ومنحت منسوبي حركة العدل والمساواة  الاحتفال بذكرى الذراع الطويلة داخل ساحة الاعتصام في القيادة العامة للقوات المسلحة.

1

بعد ثلاثة عشر عاماً من الذراع الطويلة، وبعد خمس سنوات من المقال يجد رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم والذي خلف مؤسسها بعد  رحيله في العام 2012 نفسه وقد تغير في يده القلم، فمن مجرد قائد لحركة كفاح مسلح تخوض معاركها ضد حكومة المركز، وتسعى لتغيير حال الشعب والخروج به من التهميش؛ إلى أحد أهم الموقعين على السياسات في حكومة سودان ما بعد الثورة والسلام، حيث يشغل جبريل الآن منصب وزير مالية حكومة الفترة الانتقالية، وهو المنصب الذي شغله عقب توقيع حركته من ضمن الجبهة الثورية على وثيقة السلام في عاصمة جنوب السودان جوبا، وهي الصورة الأولى التي تؤكد على أن ثمة ذراع أخرى تحتاج الحركة لاستخدامها من أجل تحقيق غايات العدل والمساواة في السودان الكبير، وهو ما يفترض السؤال: هل تملك الحركة الأدوات التي تمكنها من تحقيق الانتقال المطلوب في المرحلة الانتقالية ؟

2

عقب الذراع الطويلة وتحديداً في العام 2012 فقدت الحركة قائدها ومؤسسها خليل إبراهيم في عملية عسكرية وهي الخسارة الأكبر في مسيرة الحركة، والتي دفعت بجبريل لإطلاق تصريحات قال فيها “مقتل خليل جعل أعضاء الحركة يريدون الثأر ولا أعتقد بأنهم في وضع يجعلهم يقبلون الحديث عن الحوار”. ولأن طويل الجرح يغري بالتناسي كما قال الراحل الطيب صالح فإن رفاق خليل قرروا الاستمرار في مشروعهم للثأر لكنهم اختاروا لتحقيقه أن يوقفوا نزيف الحرب ورحلات اللجوء والنزوح، إلا أن مراقبين يشيرون إلى أن الحركة تعتبر تنظيماً سياسياً عقب اغتيال خليل إبراهيم وهو الأمر الذي تفترضه عملية الانتقال التي تشهدها البلاد الآن عقب نجاح ثورة سلمية رفعت السلام كأحد مطلوباتها في سودان بكرة، وهو الأمر الذي أكدت عليه خطوة الحركة في الدفع بمنسوبيها لشغل مناصب وزارية في حكومة الثورة الثانية، وعلى رأس هؤلاء رئيسها جبريل والذي أكد على أن التحولات السياسية وتغيير الأدوار هي ما جعلت الحركة تقبل المشاركة في السلطة رغم أن تصريح منسوب للرجل قال فيه إن قبوله منصب المالية السبب الأساسي فيه العمل على توفير الأموال من أجل إكمال مشروع السلام.

3

لكن في المقابل؛ فإن صعود جبريل إلى منصب وزير المالية أثار جدلاً ساهم الرجل في استمراره من خلال بعض خطواته التي قام بها عقب وصوله إلى البلاد، جبريل بالنسبة للكثيرين يمثل امتداداً للمشروع الإسلامي في حكومة الثورة  وهو أمر لا يرضي البعض ممن يرون أن الثورة جاءت من أجل إنجاز القطيعة مع هذه المجموعة التي أوردت البلاد موارد الهلاك، فلا يستقيم أن يهتف الشارع ب تسقط بس، ويصعد جبريل لإعادتهم مرة أخرى، ويستند الكثيرين على آخر تصريحات منسوبة لوزير المالية حول الموقف من اتفاقية (سيداو)، وإعلان دعمهم لموقف الرافضين لها في الوقت الذي ينتظر الكثيرين دور المالية ووزيرها في تحقيق أهداف مؤتمر باريس في الاتجاه نحو إعفاء ديون السودان، وهو الأمر الذي يتطلب سلسلة طويلة من الاجراءات ومن الالتزامات التي على الحكومة السودانية تنفيذها على ارض الواقع.

أيضاً ينظر البعض إلى جبريل بأنه خادم المشروع الإسلامي في الفترة الانتقالية ويعززون هذه الفرضية بالاستناد لموقف الرجل المعادي لسياسات لجنة تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو.

4

أبي.. أتى الرفاق ولم تأتِ مالي لا أرى وجهك بينهم أيناك وما الذي يؤخرك ؟” تلك الكلمات كانت لإيثار ابنة الشهيد خليل إبراهيم مؤسس حركة العدل والمساواة السودانية التي أتى جميع قادتها للخرطوم أمس الأحد في احتفال كبير في ساحة الحرية احتفالاً باتفاق سلام جوبا. ويغطي الاستفهام صفحة الطبيبة إيثار خليل إبراهيم بالفيسبوك في لحظة السلام تهش ابنة الشهيد خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة على جرح الحرب التي دفعت فاتورتها حين غاب نجمها. لكن في ساعة سابقة وفي جوبا كان السلام يمنح الموتى الشهداء حق الإدلاء بأصواتهم وإيثار نفسها كانت تمهر وثيقة السلام بالإنابة عن العدل والمساواة في مسار القضايا القومية . كانت تمهر الوثيقة بالوكالة عن جيل كامل خرج في شوارع البلد هاتفاً (تسقط بس) حين التوقيع لم يكن السلام سوى كونه المولود الشرعي للثورة وفي كل أمل في وجه الطبيبة إيثار يمكنك أن تعيد قراءة مشهد العدل والمساواة وحالة الانتقال من ذراع الحرب الطويلة لذراع السلام الممتد.  وتقول إيثار في الواقع الجديد تضمين اتفاق سلام السودان في الوثيقة الدستورية هو استحقاق ضحايا الحرب والمُهملين والمنسيين وخطوة البداية لتحقيق شعار ثورة ديسمبر.

ويبقى التحدي الحقيقي أن يمشي هذا الحبر على الورق كائناً ملموساً وحقيقياً بين جميع السودانيين، سياسات رشيدة، خبز، صحة، مواطنة بلا تمييز، مواصلات، عدالة اجتماعية ، وقود وكل خير لإنسان السودان فهل حدث ذلك ؟

5

في مقاله للعام 2016 يقول رئيس حركة العدل والمساواة وزير المالية إن العملية أثبتت للشعب السوداني في العاصمة و خارجها أن الثورة لا تستهدفه و لا تحمل ضده مشاعر الحقد أو الكراهية أو التشفّي، و لا تسعى للانتقام منه أخذاً إيّاه بجرائر النظام. فقد برهن السلوك الحضاري الراقي الذي تعامل به قوات الحركة مع أهليهم في مدينة أمدرمان، و شهد بذلك الكثير من أهلها بأن الحركة تعرف عدوّها بدقة ولا تعادي سوى النظام العنصري الظالم. و بالأمس القريب صدع بهذه الشهادة الأستاذ محمد ضياءالدين الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي بصفته شاهد عيان، و هي شهادة تعتز الحركة بها، و نتوشّح بها نحن وساماً في صدورنا، و تطمئننا بأن جهود طمس الحقيقة و تزييف الواقع التي بذلها النظام أوهن من أن تحجب شمس الحقيقة أو أن تنطلي على وعي شعبنا اللمّاح. و قرار الحركة بالانسحاب من مدينة أمدرمان رغم ما تملك من آلة تدمير، و أوامر الرئيس الشهيد الصارمة بعدم استخدامها حرصاً على سلامة المواطنين و ممتلكاتهم، دليل قاطع آخر بأن ما يروّجها النظام من ترهات عنصرية لتخويف الشعب من الثورة لا وجود لها في قاموس الثورة. فثورتنا للشعب و به، ولا تستهدف غير النظام الغاشم و زبانيته الذين يقتّلون الأطفال و النساء، و ينتهكون الأعراض دونما وازع من دين أو ضمير أو أخلاق.  بينما يتمدد السؤال الآن حول مدى المقدرات التي تملكها حركة العدل والمساواة وما هي قدرتها في توظيف الفترة الانتقالية من أجل تحقيق طموحات السودانيين في الحياة الكريمة.

6

ثلاثة عشر عاماً تمر الآن على ذكري عملية الذراع الطويلة العسكرية، لكن في هذا العام تتمدد الذراع السياس لحركة العدل والمساواة وهي تشارك كجزء أصيل من معادلة الانتقال السياسي في سودان ما بعد الثورة، فقد غادر منسوبوها السجون بعد تمدد سنوات الأسر، وصعد قادتها إلى ميادين المسؤولية شركاء في الانتقال يطاردهم السؤال هل تستطيع الحركة مغادرة ذراع الحرب الطويلة إلى حيث ذراع السلام الأكثر طولاً بمطالبه التي لا تنتهي، وبأحلام المهمشين الذين ينتظرون قيادات الحركة من أجل تحقيق قيم العدل والمساواة على أرض الواقع، فهم الآن حكومة يملكون حق النقض وبإمكانهم أن يغادروا بنا مراحل الشقاء فهل يفعلون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق